تحميل التطبيق Android Aapp IoS App
الروابط رأيك التبرع لغة
  • العربية
Home / الأسباب / أنت لا تتوهم

أنت لا تتوهم

الاضطراب العصبي الوظيفي “مراوغ خفي يصعب تشخيصه”

يتميز عصرنا الحالي بتطوراً رائعاً وثورة في تقنيات التشخيص لكافة الآفات والأمراض، ونخص بالذكر هنا “تصوير الدماغ“، الذي بات يوضح لنا كيف يمكن أن يحدث خطأ ما في برمجة الجهاز العصبي في المرضى الذين يعانون من أعراض وظيفية وانفصامية، كما تُظهر هذه الصورة التي تم التقاطها أثناء الفحص بالتصوير المقطعي المحوسب لأحد المرضى الذين يعانون من ضعف وظيفي وأعراض حسية في جانب واحد من أجسامهم، لتوضح لنا أنه اثناء ظهور هذه الأعراض، كان هناك جزء من الجانب الخلفي من الدماغ لا يعمل بشكل صحيح (موضح باللون الأصفر)، حيث تُظهر هذه الأنواع من الفحص أن الجهاز العصبي ووظيفة الدماغ تسوء عند الإصابة بآفة دماغية لها سبب من السهل تشخيصه. ولكن على النقيض لن يمكننا فعل الشيء نفسه حيال حدوث هذا النوع من الاضطراب إن لم يكن له منشأ مرضي يسهل التقاطه؛ لنجد أنفسنا نقف عاجزين أمام مراوغ خفي يصيب برمجيات الدماغ ويتسبب في حدوث “الاضطراب العصبي الوظيفي” دون سبب واضح

حداثة التشخيص

التعريف

الاضطراب العصبي الوظيفي هو مصطلح جديد وأوسع نطاقًا يتضمن ما يطلق عليه بعض الناس اضطراب التحويل، وينطوي على أعراض عصبية لا يمكن أن تفسرها الأمراض العصبية أو الحالات الطبية الأخرى. لكن الأعراض حقيقية وتسبب خللًا واضحًا، أو مشكلات في أداء الوظائف المختلفة

عادة ما تبدو الفحوصات طبيعية، وهذا ما يفاجأ به الأشخاص المصابون لعدم قدرتهم على استيعاب الأمر، وكثيرًا ما يتساءلون ألا يستطيع الأطباء اكتشافه بكافة سبل التشخيص الحديثة، ومنها التصوير؟، والجواب بكل بساطة “لا”، فهو ليس محسوسًا، ويحدث في الدماغ بمستوى لا يمكن للناس التحكم فيه، يشبه تمامًا الصداع النصفي. ولأن الأمر تم اكتشافه في السنوات الأخيرة فقط، نجد أن العديد من الأطباء لم يتم تدريبهم جيدًا على التعامل مع حالات الاضطرابات الوظيفية، ولم تجر عنه دراسات وأبحاث بشكل صحيح سوى مؤخرًا

لا يصدق بعض الاختصاصيين المرضى الذين يعانون من تلك الأعراض، ويعتبر ذلك أمرًا مزعجًا وغير مقبول. بينما يعتقد البعض الآخر أن هناك مشكلة، ويحرصون على المساعدة كما لو كنت مصابًا بمرض التصلب المتعدد

الحالة حقيقية بالفعل، ولكنك لن تستطيع أن تراها أو تشخصها!!!، نعم الأمر محير، ولكن كيف أجتاز الأمر؟

تظهر أعراض الاضطراب العصبي الوظيفي عند حدوث خلل ما  يصيب أجزاء الحركة والإحساس في الدماغ، يمكن أن يستغرق اكتشاف ذلك الاضطراب بعض الوقت، فأنت لا تعاني من مرض بنيوي في الدماغ، ولكن لديك اضطرابًا وظيفيًّا ليس أكثر

وهناك عدة نقاط قد تساعدك على فهم حالتك المرضية، أهمها التالي

أ) حالتك قد تشبه الصداع النصفي أحيانًا قد يكون مفيدًا مقارنة الأعراض التي تعاني منها بأعراض الصداع النصفي. وفي العموم تكون فحوصات الدماغ وجميع الاختبارات طبيعية، وقد يصاحبها بعض الأعراض العصبية، مثل: رؤية الوميض، والوخز في جانب واحد من الجسم، أو حتى الشلل. في حالة الصداع النصفي، قد  نعرف المزيد عن الأجزاء المصابة في الدماغ، وأن الأعصاب في الدماغ تعمل بشكل غير طبيعي، ولكن لا يزال التشخيص يتم على أساس حالتك

ب) عندما يتم تنويم شخص ما مغناطيسيًّا، هل يحدث هذا “عقليًّا (الذهن)”، أم “دماغيًّا” كثير من الناس عرضة للتنويم المغناطيسي، لقد رأينا جميعًا أشخاصًا على التلفاز وهم منومون مغناطيسيًا، ولا يتحكمون بشكل صحيح في أفكارهم أو سلوكهم. وأنت لست بحاجة إلى أن تكون مريضًا نفسيًا لتكون قادرًا على التنويم المغناطيسي. ويتواتر هنا السؤال مرة أخرى هل التنويم حالة ذهنية متغيرة أم حالة دماغية متغيرة؟ قد تكون الإجابة كلاهما، أو ربما بشكل أكثر دقة – أن السؤال في بدايته خطأ- ولذلك عندما يصاب الناس بأعراض وظيفية أو فصامية، فلا داع للسؤال عما إذا كان في الذهن أم الدماغ!! فكلاهما مهمان

هل يستطيع أي شخص أن يختلق تلك الأعراض؟

الجواب على هذا السؤال- بلا شك- نعم، لكن يبدو أن ذلك شيئًا نادر الحدوث. في السنوات الأخيرة، ظهرت مزيدًا من الحالات التي ارتكب فيها أشخاص أفعالًا محتالة من أجل جذب اهتمام الجمهور لتحقيق مصلحة ما

على سبيل المثال، تم تصوير رجل وهو يلعب كرة القدم، على الرغم من أنه يصور للجمهور أنه حبيس كرسي متحرك، وتم تصوير آخر وهو يرفع صناديق ثقيلة، على الرغم من قوله إنه لا يستطيع حمل أي شيء

في حالة أخرى، تم القبض على رجل ادعى أنه كان أعمى؛ وكان يطالب بالتعويض عن الأضرار، لأنه تجاوز السرعة على طريق سريع

عند فحص الأشخاص الذين يدعون المرض، قد يكون لديهم بعض العلامات الإيجابية نفسها مثل المرضى الذين يعانون من أعراض وظيفية حقيقية، ولكن هناك عدة اختلافات مهمة، أهمها

أ) يميلون إلى أن تكون لديهم قصص غير متسقة (لأنهم يختلقونها أيضًا). ليس لديهم نفس النوع من القصص للمرضى الذين يعانون بالفعل من الأعراض، وقد تكون هناك قضية قانونية أو سبب واضح آخر للأعراض. (على الرغم من أن هذا لا يعني أن كل شخص لديه قضية قانونية يختلق أعراضه)

ب) هناك أيضًا بعض الأشخاص الذين يختلقون الأعراض من أجل الدخول إلى المستشفى أو إجراء عملية جراحية. عندما يحدث هذا يطلق عليه الاضطراب المفتعل، وبإجماع عام، فهو أيضًا حالة نادرة. أفضل ما يمكن اعتباره شكلاً من أشكال السلوك مثل إيذاء النفس المتعمد.

ج) لذلك، في بعض الأحيان، يختلق الناس الأعراض وقد يكون من الصعب معرفة ذلك. يرتكب بعض الأطباء (وأحيانًا المرضى) خطأ فادحًا في الاعتقاد بأن معظم المرضى الذين يعانون من أعراض وظيفية “يختلقون” أعراضهم، أو “يتظاهرون بالمرض”

د) يلاحظ بعض المرضى الذين يعانون من الاضطراب العصبي الوظيفي أن أعراضهم تظهر وتختفي بطريقة غريبة. يمكن أن يؤدي ذلك ببعض المرضى إلى التساؤل عما إذا كانوا “يفتعلون ذلك دون قصد”، هذه تجربة شائعة جدًا، ولا تعني أنك “تفتعل ذلك”

لماذا لا يأخذ المتخصصون في مجال الصحة الأعراض على محمل الجد؟

مما لا شك فيه أن المرضى لا يرغبون في الحصول على تشخيص يمكن الخلط بينه وبين ادعاء المرض. لقد أوضحت مدى ندرة حدوث المرض،  ومع ذلك، فإن بعض المتخصصين في مجال الصحة مرتبكون بشأن المرضى الذين يعانون من أعراض وظيفية، وقد يكون لديهم موقف سيئ تجاه أعراضك

أما الأكثر شيوعًا لدى المتخصصين في المجال هو وجود موقف إيجابي تجاه أعراضك، ولكنهم يجدون صعوبة في إيصال ذلك. قد يتعرض المرضى للإساءة من الأطباء حتى يدركوا صدق المعاناة والإصابة ليقدموا لك المساعدة

ما هي الأسماء الأخرى التي استخدمت لوصف هذه الأعراض؟

يطلق على الأعراض العصبية الوظيفية والانفصامية العديد من الأسماء المختلفة على مر السنين

والعديد من تلك التسميات “نفسية”، وتؤكد أن الأعراض “كلها ذهنية (يتحكم فيها العقل)”. غالبًا ما تكون العوامل النفسية مهمة للنظر إليها فيما يتعلق بالأعراض العصبية الوظيفية، ولكن الأعراض ليست “مختلقة”. كما يعتقد معظم الخبراء أن هذه الأعراض موجودة في الواجهة بين الدماغ والعقل، بين علم الأعصاب والطب النفسي، ولهذا يكون من الصعب الإجابة على تساؤل الناس (والمرضى) “هل هي عصبية أم نفسية؟”. تشير الأدلة إلى أنها كلاهما، وأن هذا السؤال في الواقع ليس له معنى حقًا بالنظر إلى ما نعرفه عن كيفية عمل مسارات الحركة والعاطفة في الدماغ

ومن المسميات التي تصف أعراض الاضطراب العصبي التالي ذكره

اضطراب التحويل مصطلح أطلقه سيغموند فرويد، ويستخدم في نظام التصنيف القياسي الأمريكي للاضطرابات النفسية (الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية-الإصدار الرابع)، إنه يشير إلى فكرة أن المرضى “يحولون” ضغوطهم العقلية إلى أعراض جسدية

ويشير اضطراب التحويل إلى أعراض الضعف واضطراب الحركة، والأعراض الحسية ونوبات نفسية غير صرعية. مبدأ “التحويل” شيء قد ينطبق على أقلية صغيرة من المرضى، ولكن هناك القليل من الأدلة التجريبية لهذه الفكرة في غالبية المرضى (عادة ما تتفاقم هذه الأعراض، كلما كان المريض أكثر حزنًا). في مراجعة التصنيف النفسي (DSM-5) (الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية -5)، تمت إضافة مصطلح اضطراب الأعراض العصبية الوظيفية جنبًا إلى جنب مع إسقاط شرط وجود حدث مرهق نفسيًا مرتبط بالأعراض

اضطراب الأعراض العصبية الانفصامية هو كيفية وصف الأعراض في التصنيف الدولي للأمراض، انظر صفحة الانفصام لمزيد من المعلومات

غير عضوي مصطلح يستخدمه الأطباء للأعراض التي لا تتعلق بمرض يمكن التعرف عليه؛مما يعني أن المشكلة نفسية بحتة. كتبت مقالاً مع زميلي آلان كارسون حول هذا الموضوع

https://pn.bmj.com/content/17/5/417

نفسية المنشأ مصطلح يستخدم بكثرة لوصف هذه الأعراض، خاصة النوبات الانفصامية واضطرابات الحركة. مرة أخرى؛ يشير هذا إلى أن المشكلة نفسية بحتة

نفسية جسدية أصبحت تعني نفس الشيء مثل نفسية المنشأ، على الرغم من أن معناها الأصلي كان لوصف الطريقة التي يؤثر بها الجسم على العقل، وكذلك العمليات النفسية التي تؤثر على الجسم

جسمانية توضح أن الشخص يعاني من أعراض جسدية بسبب الاضطراب العقلي. الحجج هنا هي نفسها حجج “اضطراب التحويل”. يصف الاضطراب الجسماني الحالة التي يعاني فيها شخص ما من الأعراض الجسدية التي لا تكون بسبب المرض.

الهستيريا مصطلح موجود منذ حوالي 2000 عام. وتعني “الرحم المتجول”، وتأتي من فكرة يونانية قديمة، حيث إن النساء اللواتي يعانين من أعراض جسدية كان لديهن مشكلة تجول أرحامهن حول أجسادهن.تم استخدامه في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر لوصف أي نوع من الأعراض أو الاضطرابات الوظيفية. في القرن العشرين، تم تقليص استخدامه بشكل أكثر تحديدًا للأعراض العصبية وهو الآن، لحسن الحظ، يستخدم بشكل نادر

غالبًا  مرضى الاضطراب العصبي الوظيفي تلقوا تعاملًا سيئًا من الأطباء على مدار المائة عام الماضية

تقليديا، رأى أطباء الأعصاب أن دورهم هو مجرد تشخيص المرض، ثم إحالة المريض إلى طبيب نفسي للعلاج

منذ أن بدأت في هذا المجال قبل 20 عامًا، لم يكن هناك تغيير كبير في الممارسة الأكثر إيجابية تجاه الاضطراب العصبي الوظيفي. إلا أن أطباء الأعصاب الأصغر سنًّا لا يودون التصرف بنفس الطريقة تجاه مرضى الاضطراب العصبي الوظيفي، بل هم مهتمون الآن ومستعدون لفعل المزيد

يشعر معظم الأطباء النفسيين- ما لم يعملوا عن قرب مع أطباء الأعصاب- بعدم اليقين في كيفية التعامل مع الاضطراب العصبي الوظيفي،وغالبًا ما يتساءلون عما إذا كان قد تم تفويت مرض عصبي او عدم اكتشافه. لقد ناقشت في مكان آخر في هذا الموقع الإلكتروني كيف يمكن لعلماء النفس والأطباء النفسيين أن يكونوا متعاونين في هذه الحالة حتى عندما لا يكون هناك اكتئاب أو قلق. لذلك ينبغي أن يتلقى الأطباء النفسيون/ الاستشاريون في الطب النفسي تدريباً واسعاً في هذا المجال، حتى يستطيعوا التعامل مع هذا النوع من الاضطرابات

غالبًا ما يشعر المرضى المحالون إلى الأطباء النفسيين الذين يعانون من أعراض وظيفية أن الطبيب يركز فقط على “ما يجول داخل العقل”، وما عليهم سوى الدفاع عن أنفسهم عند التحدث إلى الطبيب النفسي، لذا قد تكون الاستشارة غير مفيدة

نتيجة لكل هذه العوامل، يشعر مرضى الاضطراب العصبي الوظيفي أن تشخيص الأعراض مبهم وغير واضح في علم الطب

ما سبقنا فيه السلف لتشخيص الاضطرابات “العصبية” الوظيفية

قبل 100 عام، كان علماء الأعصاب والأطباء النفسيون يرون أن هذه الأعراض كانت في الأساس مشكلة في وظيفة الجهاز العصبي، وعلى الرغم من أن العوامل النفسية قد تكون مهمة، إلا أنها غائبة وليست العامل الوحيد المهم

كان أطباء الأعصاب مهتمين بتشخيص الاضطراب وعلاجه، وكتبوا كتبًا عن “الاضطرابات العصبية الوظيفية”، مع الكثير من النظرة السليمة فيها. وأخيرًا، نعود مرة أخرى لنقطة البداية ونفس وجهة النظر

في رأيي، يمكن التغلب على الكثير من الصعوبات في هذا المجال إذا كان المتخصصون في مجال الصحة مثقفين بشكل أفضل فيما يتعلق بتشخيص هذه الاضطرابات ومعالجتها